15 - 09 - 2025

رشقة افكار | لمسة ..غضب !

رشقة افكار | لمسة ..غضب !

مقارنة بما يحدث في دول الخليج .. هذا عيب !

شعور عارم بالإهانة .. والإدانة والغضب ، يتملك  الغيورين على مصر .. الحضارة والثقافة والتاريخ ..بسبب  استمرار هذا الفعل القبيح !

كيف لم نتوقف أبدا لنسأل أنفسنا : لماذا نستمر في ارتكاب هذه الأفعال طوال هذه السنوات ، من دون دراسة او تفكير ، سواء من سلطات الدولة أو المختصين او حتى المجتمع ألذي يبدو أنه يُعْرِّضُ يأسًا عن الانخراط في هذا الملف المشين ؟

لنعترف أننا لم نقم بعمل أي شيء ، أي شيء ، في سبيل الوصول إلى لحظة تحضر ، بدلا من تصرف  الهمج الذي يرتكب في المحروسة .. هي هنا ليست محروسة بالمرة ، فالغضب الذي يسطع مع لعلعة هذا الفعل القبيح وتداعياته بالصورة والكلمة على الميديا ،   يقطع يقينا بأنه لا أحد محروس هنا في هذه اللحظة !

لن يكون غريبا أن ترى سيدة جميلة - أو تبدو كذلك -يمكن أن تتحسس "أبو وردة"  ذو الكعب الخشبي العالي ،  وتخلعه من رجليها الجميلتين ، وترفعه في وجه أي إنسان  بلا تردد أو تخوف  ، مغلقة باب  الأنوثة والجمال والرقة إغلاقًا تامًا ، فالكلمة في مثل هذه اللحظة التي نتكلم عنها ، هي للسان الطويل والصوت العالي والردح" إللي على اصوله "! تخيلوا "رداحة " مع أنها قد تكون خرجت للتو من تحت إيدي الكوافير - وربما  الماشطة لاأحد يعلم بالضبط  -  ومهما يكن من أمر فالفعل الذي قد يصدر عنها يذكرنا حتما بالمثل الشعبي العامي  "وإيش تعمل الماشطة في الوش العكر" ..معكر عن عمد بالأفعال  القبيحة !

من خالعة أبو وردة الخشبي بكل مافيه من قسوة لا تليق بامرأة ، إلى حامل الشومة ، أو المفك الطويل   ، أو " الكلابظات  " أو ماعداها بحسب مايملكه من قوة بدنية ، مدججة بعلاقات وروابط إجتماعية ، وبالقدرة  الشرائية أيضا، فقد يحمل طبنجة حلوان أو كلاش عوزي .. صحيح أن سيخ حديد أو مفتاح عجل يمكن أن يفي بالغرض ، فقد شاهد الناس نسخة رديئة من هذه النوعية مؤخرًا، وأعني به  الرجل إياه ذو القميص الأخضر المشجر ، وقد تابعوه وهو ينزل من سيارته ، مروِّعًا قائد المركبة  الذي خلفه ،! لماذا ؟ لأنه من وجهة نظره تجرأ و" خبطه" ! فكان ولابد أن يفزع لعقابه  ، فنزل إليه شاهرًا مفكًا  او مفتاح " مانفله" طويل و"تخين" ،   وراح يهوي به على رأس أم  زجاج سيارته ، ربما متخيلا أنه يهوي به على رأس الرجل نفسه ، مكيلا له في الوقت نفسه من قاموس شتائمه البذيئة  "من المنقي خيار " كما يقولون !

الرجل غاضب جدا ،  ورغم ملابسه التي توحي أنه ذاهب إلى البحر أو ربما عائد منه ، إلا أنه وجه إليه اهانات عنصرية  ، إعتبره فيها  مجرد فلاح منوفي !،كما شاهد وسمع الناس الفيديو ! هل كان مكتوبًا على الجبين أن صاحبنا  فلاح منوفي ؟ وهل الإمعان في التركيز على هذا الوصف يعني ان الرجل بحسب موطنه المفترض هو في أدني  الدرجات من  سلم " الِفلْح "؟ نوع من  التنمر الشديد  يمارسه البعض ، للنيل من اخرين  قد يأتون بأفعال يريدون الإيحاء بأن  سكان المناطق الراقية لا يأتون بها ! ربما عرف أنه منوفي من لوحة السيارة ، فقد تكون قديمة ولم تتغير ، وربما  محافظة المنوفية  لم تدرج بعد في إطار منظومة اللوحات الجديدة الغريبة التي يستخدمها جهاز المرور( مثلا : ع ط ويستهجنها الناس حينما تقع أعينهم عليها ، أو ق ع ر ، أو ه ط ل أو ماشابه ذلك من حروف غريبة !

مشهد صادم .. مريع .. مقبض .. متكرر على امتداد السنين ، لم تعبأ اجهزة مرورية متتالية بالنظر فيه ، ولا حاولت القضاء عليه ، بتحسين الإمكانيات لديها ، ودراسة ردود أفعال المتصادمين وظروف اشتباكهم مع بعضهم بطريقة مخزية ، بما يفرض الاهتمام بالظاهرة العامة ،  وإعداد نوعية معينة من شرطة المرور،  تمتلك الخبرة والقدرة والدراية على فك اشتباك "المتصادمين" وتحويلهم إلى محكمة المرور ، وشركات التأمين، وهما الجهتان  الوحيدتان  التي تخول  بالتحقيق في مثل هذه  المخالفات، التي من دون شك لاشك  تحدث في أي مكان بالعالم .

 بكل اسف يتعامل الناس  مع الحوادث  بشكل شخصي جدا ، وكأنه  اعتداء بالضرب أو الإهانة  يجب رده بأقصي مايملك الشخص من قوة مفرطة . لانعترف بغير هذا في مصر ، وبلا نقاش أو تردد نشرع في رد الإهانة المفترضة ، كأن شخصا صفع أخر بالقلم على وجهه او قفاه ، أو ألقى احدهم على آخر ب" ميه وسخه"  لوثت قميصه الناصع البياض ! نحن  إذا اصطدمنا ببعضنا نتخيل بسرعة البرق  أنه لا وجود للشرطة ولا لمن يترجم الاعتداء ايًا كان إلى مخالفة تعالج بالقانون ، وتحويل  القضية لجهات الاختصاص . لا وجود في المخيلة ولا في الوعي الجمعي إلى ان الموضوع له أب وأم شرعيان ، وهما المحكمة وشركة التأمين ، وإنما نحن نثق أن الضرب هو الحل ، سواء كان ب " أبي ورده " أو بمفتاح ال " مانفله "، حتي لوكان الاصطدام مجرد لمسة خفيفة بين سيارتين ، فإنه لابديل عن تحولها إلى لمسة غضب!

 ثقافة راسخة لا تمارس إلا في بلد الثقافة والتاريخ ، أما البلدان التي نتعامل معها بعنصرية ونغمزها من قناة البداوة - مع أن آثار بداوتها  تراجعت أمام توالي دراسات مواطنيها  في جامعات  كامبريدج وهارفارد وغيرها - فإنها تتعامل مع  مثل هذه الحوادث بوعي ورقي وتحضر .

مثلًا ..حادث يقع بين سيارتين في الكويت تكون  له عدة أوجه .. فإما أن  قائد سيارة من المتصادمين يلجأ إلى إبلاغ الشرطة وينتظرها مهما بلغ وقت الانتظار حتي يأتي المتخصص ، فيجري رسما كروكيا للحادث ، ثم يأخذ البيانات ويحيل الأمر للمختص بالموضوع في مخفر الشرطة، حيث يلتقي  عنده المتصادمان ، وحتما يخرجان  بنتيجة ، فإما إصلاح مافسد على نفقة المخطيء، وهنا تتكفل شركة التأمين بالدفع والتعويض حسب شروط وثيقة التأمين. أو أن  ينزل كلاهما  من سيارته ويتبادلان بطاقات الهوية ، والهواتف متفقين على الذهاب إلى الشرطة  ، او يتصافحان - وهذا يحدث دائما - ويتعاهدان على أن المخطيء منهما  سيتكفل باصلاح الأضرار التي تسبب فيها للآخر.

لا يحدث مطلقا أن ترفع سيدة " آبو وردة" في موقف كهذا ، ولا يخرج رجل من سيارته ولو كان أميرا في قبيلة فيضرب "وافدًا" صدمه من الخلف او الأجناب أو غير ذلك. تصرف حضاري تماما ، لكننا لم نعمل على تكريسه في المحروسة ، رغم آلاف الجنيهات التي ندفعها عند الترخيص ، والتي لانعرف لماذا هي باهظة عندنا بهذا الشكل ومن دون ان تقدم لنا الشرطة خدماتها ، إلا فيما ندر ، فمن الصعب في مصر ان يقع حادث وتطلب الشرطة وتأتي في توقيت مناسب ، او تمارس العمل باحترافية  ومهنية ، اللهم إلا فيما ندر !

مثل هذا الغياب يفتح الطريق أمام الردح والشتائم البذيئة ولعلعة أبو وردة أمام  المارة ، أو  رفع الصوت حتي يملأ الفضاء بالمخاوف ، او ينتهي الأمر كما رأينا - وذهلنا- ب"تهزيء" ذو القميص الأخضر المشجر  ل "فلاح منوفي"  في الطريق وتكسير زجاج سيارته !

عدوان صارخ وإهانة بالغة ممن حاول إيهامنا بأنه من طبقة أرقى ، و بدلا  من أن يذهب  إلى البحر ، نزل  للشارع  لتأديب فلاح منوفي ضال، لمس سيارته لمسة عادية ، لكنها كالشرارة التي فجرت عنده كل براكين الغضب !

---------------------------------

بقلم: محمود الشربيني

مقالات اخرى للكاتب

رشقة افكار | لمسة ..غضب !